نزيهة التواتي حمزة
في بلاغ له و بتاريخ 19 أكتوبر 2021، أعلن البيت الأبيض أنّ الرئيس الأمريكي جو بايدن قرّر ترشيح سفير الولايات المتحدة الأمريكية في تونس دونالد بلوم لمنصب سفير فوق العادة والمفوض لدى جمهورية باكستان الإسلامية.
ويأتي هذا القرار الأمريكي في وقت تمر به العلاقات الامريكية الباكستانية باختبار للثقة خاصة بعد سيطرة طالبان على الحكم في أفغانستان.
ذلك أن الولايات المتحدة لمحت في العديد من المناسبات بمسؤولية باكستان في سقوط أفغانستان في أيدي طالبان بينما ترد إسلام آباد بأنها استنفدت نفوذها على طالبان وتتبرأ من ذلك.
بسبب طالبان أمريكا ترتب وجودها في المنطقة
ولأن العلاقات الدولية حسب بعض النظريات وأبرزها نظرية “المدارس الفكرية”، تقوم على” أمن الدولة والسلطة قبل كل شيء”، فالدولة حسب المفكرين إدوارد هاليت كار وهانز مورغنثاو هي “جهات فاعلة عقلانية تسعى إلى السلطة وتحقيق المصلحة الذاتية وزيادة أمنها وفرصها في البقاء و يُعدّ التعاون بين الدول طريقة لزيادة أمن كل دولة على حدة “، فاٍن التعامل الديبلوماسي تحكمه المصلحة اولا والمصلحة أخيرا.
فتعيين الرجل في هذا الوقت بالذات وفي هذا الظرف بالذات ليس بالقرار” البريئ ” من الولايات المتحدة الامريكية.
فبلوم الذي أدى اليمين كسفير للولايات المتحدة في تونس في 9 جانفي 2019 و تقلد منصب القائم بالأعمال في مكتب ليبيا الميداني في تونس، وتولى منصب القنصل العام في القنصلية الأمريكية في القدس بين عامي 2015 و 2018، يُعرف بإتقانه للتعامل مع الحركات الإسلامية وقد لعب دورا في عمليات التفاوض والحراك الدبلوماسي في الاتجاهين الإسرائيلي الفلسطيني من خلال لقاءات رام الله والقاهرة والرياض، نظراً إلى علاقاته الممتدة وإتقانه اللغة العربية وخبرته في منطقة الشرق الأوسط والأدنى.
فقد شغل بلوم إ مديرا لمكتب شؤون شبه الجزيرة العربية بوزارة الخارجية الأمريكية بين سنتي 2013 و2015 ومستشارا سياسيا بسفارة بلده بكابول بين سنتي 2012 و2013، ووزيرا مستشارا للشؤون الاقتصادية والسياسية بالسفارة الأمريكية بالقاهرة خلال الفترة 2009 – 2012. كما اضطلع بمهام المدير المدني المشارك لخلية العمل الاستراتيجي صلب القوة متعددة الجنسيات ببغداد سنتي 2007 – 2008 بعد أن عمل مستشارا سياسيا بسفارة بلده بالكويت سنتي 2006 – 2007.
فتعيين بلوم في هذا المنصب يأتي تزامنا مع تموضع باكستان الجديد في المنطقة خاصة بعد سيطرة طالبان على افغانستان.
ففي الأدبيات الدبلوماسية يُعتبر قرار دولة ما تغيير سفيرها بدولة أخرى مؤشراً على رغبة الأولى في إعادة النظر في مجمل علاقتها بالثانية، ومحاولة لفتح صفحة جديدة معها. ومن هنا، فإن قرار الرئيس بايدن ترشيح سفير الولايات المتحدة الأمريكية في تونس دونالد بلوم لمنصب سفير فوق العادة والمفوض لدى جمهورية باكستان الإسلامية يُعد ابتداء خطوة جديدة وطوراً مهماً في العلاقات بين الدولتين.
فهذا القرار لإعادة ترتيب الوجود الامريكي في المنطقة.
وحسب عدد من الباحثين على غرار الباحث في مركز دراسات الكونجرس، كينيث كاتزمان، فاٍن هناك مخاوف أمريكية تجاه باكستان بأن تسمح لحركة طالبان وتساعدها في استعادة الجماعات الإرهابية مثلما حدث في الماضي.
وأوضح كاتزمان، أن الولايات المتحدة دعمت باكستان ماديا للتضييق على الجماعات الإرهابية في أفغانستان.
وشدد على أن باكستان يجب أن تتعاون مع أمريكا في مواجهة أي خطر محتمل من عودة الجماعات الرجعية في أفغانستان.
دلالات إبعاد دونالد بلوم عن تونس
وكما سبق وأشرنا فاٍنه من ” الأدبيات الدبلوماسية “، يعتبر قرار دولة ما تغيير سفيرها بدولة أخرى مؤشراً على رغبة الأولى في إعادة النظر في مجمل علاقتها بهذه الدولة، فقرار الرئيس الأمريكي ترشيح سفير الولايات المتحدة الأمريكية في تونس دونالد بلوم لمنصب سفير فوق العادة والمفوض لدى جمهورية باكستان الإسلامية له دلالات أيضا على وجود تحول في العلاقة بين واشنطن وتونس.
فبلادنا تشهد منذ يوم 25 جويلية 2021، تطورات سريعة في المشهد السياسي و المشهد الاقتصادي وذلك بعد إعلان الرئيس قيس سعيد تجميد عمل البرلمان وإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، لتتباين ردود الأفعال الوطنية والدولية بين مؤيد ورافض لهذه القرارات.
فهناك من اعتبر قرارات سعيد انقلابا على الديمقراطية وعودة الى الوراء وهناك من بارك هذه القرارات واعتبرها نهاية حقبة حكم الإخوان في تونس خاصة وفي العالم العربي عامة، بعد فشل تجربتهم في الحكم في مصر وإخفاقهم في محاولات الصعود إلى السلطة في دول أخرى مثل سوريا.
وتتالت البيانات الأمريكية بخصوص الوضع في تونس والتي دعت من خلالها الى دعم الانتقال الديمقراطي وعملية الإصلاح الدستوري في بلادنا.
وقد رأى البعض أن تغيير المشهد السياسي في تونس يهدد العلاقات بين واشنطن وتونس بينما يرى البعض الآخر ان العلاقات التونسية الامريكية تاريخية ولا يمكن زعزعتها ولكن العلاقات الأمريكية مع التنظيمات الإسلامية هي التي تتغيير مع التغييرات في المنطقة.
فقد اعتبر عدد من المحللين السياسيين ان ردود الفعل الأمريكية البطيئة على خطوات سعيد، جعلتها تبدو وكأنها غير متأكدة مما إذا كان ينبغي إدانة تلك الخطوات أو تأييدها، فيما سارعت دول تدعم حركة الإخوان المسلمين، وعلى رأسها تركيا، إلى رفض ما وصفته بـ”الانقلاب”.
وفي المقابل يرى البعض أن قرار إبعاد دونالد بلوم عن تونس يأتي بعد الإعلان عن تشكيلة حكومة جديدة برئاسة السيدة نجلاء بودن وهو ما يعتبر لدى العديد من المحللين دق المسمار الأخير في نعش الإسلام السياسي في تونس خاصة والدول العربية عامة.
فتغيير السفير الأمريكي بعد تغير المشهد السياسي في تونس يدل حسب البعض، على قطع الدعم الأمريكي للأنظمة الإسلامية، خاصة وأن السفير دونالد بلوم يعرف بعلاقته الوطيدة بالحركات الإسلامية، وخبرته في ذلك ستنجح أكثر في باكستان ذلك أن أهمية الدبلوماسية في تطور العلاقات الدولية كبيرة ، وهي الرابط الرئيسي بين الدول في الوقت الحالي ، وهي الوسيلة الأولى للتواصل بين الدول