كشف آخر تقرير صادر عن الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري، أنّ تونس تحتل مرتبة متقدّمة من خلال نسبة عدم الإقبال على الزواج مقارنة بنسب الدول العربية لتصل إلى ما يقارب الـ 60%. وأفاد ذات المصدر أنّ عدد العازبات لسنة 2018 تجاوز 2.2 مليون عازبة بينما قدّر بـ 990 ألف عازبة سنة 1994.
”عانس” أو ”بايرة” أو ”فاتها القطار” … عبارات ذات مدلول واحد نشأت منذ عقود لتسيء لمكانة المرأة وتنتقص من شأنها وتحبطها أحيانا… عبارات ثقيلة تدخل المرأة في دوامة وحرب نفسية ما بين مجتمع ظالم ورجعي وبين خوف من القطار الذي تزداد سرعته رويدا رويدا.
العانس فريسة مجتمع ذكوري رجعي
وضع الفتاة العانس في مجتمعنا شاق وصعب وغالبا ما يرافق بنظرة دونية تملأها الشكوك مطلقة سهامها الجارحة نحو المسكينة. في سنّ الثلاثين تدخل المرأة دائرة الشبهات وتجعلها عرضة للقيل والقال وتصبح فريسة سهلة المنال، كيف لا ونحن نعيش في مجتمع ذكوري بامتياز.
في هذا السنّ غالبا ما ترافق نظرات الشفقة المرأة لتستفحل فكرة البحث عن شريك شيئا فشيئا عقلها وتفكيرها وتكرس حياتها لإيجاد من ينقذها من لقب “العانس” إرضاء لعادات وتقاليد واهية.
حجج واهية لإيقاعك في الفخ
تختلف أسباب العنوسة وفق متغيرات المجتمع لكن يبقى الجانب المادي هو الأساس خاصة في ظل غلاء المعيشة وارتفاع نسب البطالة وغيرها من العوامل الإقتصادية التي تشجع الشباب على العزوف عن فكرة الارتباط.
غالبا ما نتساءل لماذا نرتبط؟ ما الهدف من الزواج؟ ماذا سأستفيد لو تقاسمت حياتي مع شخص آخر ؟
الإجابات مختلفة لكنها حتما غير مقنعة: لو قلنا أنّ الأمومة حلم كل فتاة وسنّة الحياة هي الإنجاب لتراجعنا بمجرد التفكير في مستقبل طفل جديد سيكون عالة على مجتمع عاجز على تقديم أبسط سبل العيش لشبابه وكهوله وشيوخه.
لو فكرنا أن الزواج إشباع للرغبات الجنسية للطرفين فحتما سنتراجع عن هذه الحجة مع التطور الفكري وارتفاع سقف الحريات في مجتمعنا فبات من السهل إقامة علاقات خارج إطار الزواج وأصبح الجنس في متناول الجميع.
لو قلنا أن الزواج مسؤولية ومشاركة وأساسه الحب لسرعان ما سخرت أذنينا مما تفوّه به لساننا: “حب إيه اللي انت جاي تقول عليه”؟؟ ،الحبّ مجرد إحساس عابر مهما طال وتوّطد سيفقد معانيه بمجرد التواجد تحت سقف واحد واكتشاف الجوانب الخفية للشريك ومع الضغوطات الحياتية سيتحول الحبّ إلى تعوّد وصولا إلى لامبالاة.
مهلا مهلا مهلا … لماذا لا يطلق لقب “العانس” على الرجل؟
مصطلح العنوسة مرتبط بالرجل وليس مقصورا على المرأة فقط فهو أيضا يتقدم في السنّ كما أنّه المسؤول بدرجة أولى عن ارتفاع نسبة عنوسة الإناث فلو كان أهلا للارتباط لما كانت الاحصائيات مفزعة. لكن للأسف نحن ننتصر للذكورية لا بل نلطف العبارات ونطلق “عازب” على الرجل “العانس” ونعطيه الحرية الكاملة لاشباع رغباته دون وجود رقيب.
عزيزتي “العانس” كوني فخورة بهذا اللقب …
مؤسسة الزواج فاشلة ومنهكة ولو تمعنا جيدا في محيطنا سندرك أن العزوبية نعمة نحسد عليها ولو في خفاء.
لو رأيت زوجة مرتاحة نفسيا وجسديا ولديها الوقت الكافي لحياتها الخاصة وللاعتناء بجمالها ولقاء أصدقائها والسفر مع عائلتها واقتناء مستلزماتها سأفكر في الإرتباط.
لو صادفت زوجة لا تقترض لتدفع أقساط مدرسة أو لتقتني حفاظات وحليب لطفلها أو حتى لتدفع فواتير الكهرباء والماء سأفكر في الإرتباط.
لو صادفت زوجة لم تعاني من الإهانات والشتائم وربما الضرب المبرح أحيانا لفكرت في الإرتباط.
لو صادفت مطلقة فشل زواجها واختارت الانفصال تحظى باحترام محيطها ولم تصبح عرضة للتحرش والتهكمات لفكرت في تجربة الزواج مع إحتمالية الفشل فيه.
كوني عانسا لو كان في ذلك راحتك، كوني عانسا وتحدي التقاليد البالية، كوني عانسا وحققي ذاتك وطموحاتك واعتلي أهم المناصب، كوني عانسا راقية جميلة ناجحة محبة وملفتة للأنظار بانجازاتك.. الزواج يا عزيزتي ليس إنجازا سيحفظه التاريخ بل سيدنّس حاضرك ومستقبلك لمجرد إرضاء المجتمع.
أميرة الشارني