نزيهة التواتي حمزة
تابع العالم باهتمام شديد التهديدات الصينية الصارمة ضد تايوان وزيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي، تهديدات ضربتها بيلوسي عرض الحائط وهبطت طائرتها التابعة للسلاح الجوى الأميركي من طراز “بوينغ سي40-سي” بمطار سونغشان في تايبيه في وقت متأخر من يوم الثلاثاء 2 اوت 2022 لتؤدي زيارة وصفت بالتاريخية والمثيرة للجدل تظهر التزام واشنطن القوي حيال الجزيرة التي تتمتع بحكم ذاتي وتعتبرها الصين جزءا من أراضيها.
وفي الوقت الذي كانت فيه طائرة نانسي بيلوسي تتجه نحو تايوان، حبس العالم أنفاسه ترقباً لرد الفعل الصيني.
فبكين كانت قد توعدت بأن من “يلعب بالنار سيحترق بها “.
وقالت الصين، إن جيشها “لن يقف مكتوف الأيدي” إذا أقدمت رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي على زيارة تايوان.
كما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو لي جيان، إنه نظرا لوضع بيلوسي واعتبارها الشخص الثالث في ترتيب الإدارة الأمريكية فإن زيارتها لتايوان “سيكون لها تأثير سياسي جسيم”.
ورغم هذه التهديدات وعملية الشد والجذب بشأن الجزيرة، فلا الجانب الأميركي تراجع عن الزيارة ولا النار أحرقت من لعب بها.
ويرى البعض من المتابعين أن بعد زيارة نانسي بيلوسي لن تقبل بكين أن تسجل واشنطن نقطة على حسابها وهي مضطرة لردّ يرقى الى مستوى الفعل الأمريكي.
في حين يرى البعض الآخر أن كمية التهديدات الكبيرة التي أطلقتها الصين ليست الا تهديات “جوفاء” لن تقدر بكين على تنفيذها لعدة أسباب.
1 نانسي بيلوسي وعدائها المكشوف للصين
تعتبر نانسي بيلوسي، اسم مؤثر في السياسة الأمريكية منذ عقود عدة، وهي أول امرأة في الولايات المتحدة تتولى رئاسة مجلس النواب، المنصب الذي يضعها في المرتبة الثالثة في هرم السلطة بعد الرئيس ونائبه، وهي أرفع مسؤول أميركي منتخب يزور تايوان التي تعتبرها الصين مقاطعة منشقة، ولكنها تتلقى دعما عسكريا أمريكيا،منذ 25 عاما.
ومن يتابع مسيرة السيدة يدرك جيدا أن زيارتها لتايوان ليس بالمفاجئ خاصة وأنها لطالما خلال ما يقرب من 40 عاما من العمل السياسي، كانت بيلوسي، العضوة في الكونغرس الأمريكي، والرئيسة الحالية لمجلس النواب في ولايتها الثالثة، من أشد المنتقدين للصين.
ولعل الحادثة التي تعتبر بمثابة الرمز الذي يختصر موقفها من النظام الشيوعي في الصين، هي زيارتها لبكين عام 1991، والى ساحة تيانانمن التي مات فيها الآلاف سنة 1989، وهي الزيارة التي أثارت غضب السلطات الصينية، وفاجأتها بنفس الوقت.
فالبعض يرى أن ردة فعل الصين المشنجة والمتشنجة جدا هي ضد بيلوسي بشكل خاص، كما يرى البعض الأخر أن رئيسة مجلس النواب الأمريكي قامت بهذه الزيارة فقط من أجل احياء أمجاد حزبها الديمقراطي لاسترجاع شعبيته قبل الانتخابات التشريعية القادمة.
2 هل تشعل زيارة بيلوسي حربا جديدة؟؟
اعتبر شق من المتابعين أن ما قمت به رئيسة مجلس النواب الأمريكي هو استفزاز واضح لبكين وهو اعتداء على سيادتها وهو ما سيجر الصين الى التحرك.
وأبدى كثيرون خوفهم من أن تؤدي الزيارة إلى تصعيد عسكري بين الولايات المتحدة والصين ما قد يتسبب بحرب عالمية ثالثة.
إذ أكد الكاتب الأميركي توماس فريدمان “أن زيارة نانسي بيلوسي الى تايوان هذا الأسبوع، كان مخالفا لرغبات الرئيس بايدن، وهي فعلت شيئا طائشا وخطيرا وغير مسؤول على الإطلاق.”
وأضاف -في عموده بصحيفة نيويورك تايمز (New York Times)- “أن زيارة بيلوسي لن تأتي بشيء جديد ولن تجعل تايوان أكثر أمنا أو ازدهارا. ووصفها بأنها رمزية بحتة وقد تحدث الكثير من الأشياء السيئة، بما في ذلك رد عسكري صيني قد يؤدي إلى انزلاق الولايات المتحدة في صراعات غير مباشرة مع روسيا والصين المسلحتين نوويا في آن واحد.”
وتابع الكاتب أنه إذا كانت بيلوسي تعتقد أن حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين، الذين يواجهون حربا وجودية مع روسيا بشأن أوكرانيا، سينضمون إلى واشنطن في حال حدوث صراع أميركي مع الصين بشأن تايوان جراء هذه الزيارة غير الضرورية، فإنها تخطئ بذلك قراءة العالم.
3 بكين الغاضبة تبدأ مناورات
وميدانيا وردا على هذه الزيارة بدأ الجيش الصيني إجراء مناورات عسكرية بالذخيرة الحية حول تايوان ، إلى الجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي، وأعلنت بكين أنها وجهت “ضربات دقيقة” لمنطقة شرقي مضيق تايوان الخميس وحققت النتائج المرجوة، وفق ما نقلته قناة CCTV الصينية الرسمية.
وأجرت قيادة المنطقة الشرقية من الجيش الصيني تدريبات عسكرية بالذخيرة الحية بعيدة المدى في مضيق تايوان، ووجهت “ضربات دقيقة” لـ”مناطق محددة” في الجزء الشرقي من المضيق وحققت “النتائج المرجوة”، وفقا للقناة الصينية.
4 التنين الصيني جريح.. بيكين لن تستمر بدون واشنطن
لكن هناك شق آخر يرى ان تهديدات الصين العسكرية لن تتجاوز مجرد مناورات واكدت ان الصين ليس لها أي جرأة لاستهداف الولايات المتحدة الأمريكية وشن حرب لأنها ستدمر نفسها فعليا وذلك لأن الصين تصدر 458 مليار دولار أمريكي و557 مليار دولار للاتحاد الأوروبي وهي تعتبر موارد عيش الصين ولو توقفت مع مقاطعة بعض حلفاء هذه الدول لا يمكن للاقتصاد الصيني أن يستمر.
ومن جهتها أكدت الخبيرة الأميركية المختصة في الشؤون الدولية والاستراتيجية، إيرينا تسوكرمان، أنه “من المستبعد للغاية أن تتابع الصين التهديدات العسكرية بسبب علاقاتها الاقتصادية الوثيقة مع الولايات المتحدة، والكارثة الاقتصادية الحالية التي تواجهها
وقالت “في الواقع، يتم إصدار هذه التهديدات لاختبار إدارة بايدن التي يُنظر إليها على أنها ضعيفة واستجابة للاستقطاب المتصور داخل الولايات المتحدة والذي يرغب الحزب الشيوعي الصيني في استغلاله دون تكاليف كبيرة لهيبته”.
وبينت الخبيرة في تصريح ”لسكاي نيوز”، أن “الصين تجنبت بشدة أي اشتباكات خطيرة مع البحرية الأميركية في المنطقة؛ حتى الآن لم تتجاوز الاستفزازات والتجسس وفشلت في مهاجمة الجيش الأميركي على الرغم من وجود فرصة كبيرة للقيام بذلك”
وأضافت “حتى أن الصين أسقطت الكثير من استثماراتها في روسيا بسبب الخوف من العقوبات الأميركية، وانخفضت الاستثمارات الصينية في روسيا بنسبة تصل إلى 50 %. هذا وحده يخبرنا أن الصين مهتمة بعلاقاتها الاقتصادية مع الولايات المتحدة والضرر الذي يمكن أن تلحقه الولايات المتحدة باقتصادها أكثر من الاستفزازات الحالية”.
وأوضحت أنه “قد يحدث الرد الصيني لكن من غير المحتمل أن يكون عسكريًا. قد تُمنح بيلوسي عقوبات من زيارة الصين في المستقبل، أو قد تصدر الصين إدانات قوية أو تسحب بعض الأصول أو الاستثمارات من الولايات المتحدة ردًا على ذلك؛ وقد تنخرط أيضًا في بعض الاستفزازات الطفيفة في المنطقة مثل زيادة الوجود العسكري في بحر الصين الجنوبي”.
فبعد كل الوعيد برد صارم وإجراءات جذرية لم تفعل الصين شيئا على الإطلاق لوقف الزيارة، وهو ما يرى البعض أنه أضر سمعة “التنين” وبشدة.
ذلك واشنطن حسب البعض، قامت بإذلال بكين بتلك الزيارة التي لن تخاطر بأي رد فعل متهور قد يكلفها الكثير في وقت بات العالم بأثره يعرف تكلفة القرار الروسي الحرب على أوكرانيا التي طالت تداعياته بلدان بما فيه الغرب