نزيهة التواتي حمزة
بثت قناة “الجزيرة الوثائقية” ليلة أمس الخميس 3 مارس 2022، برنامجا وثائقيا تحت عنوان “جنة غرورباتشوف”.
برنامجا، حسب تقديري البسيط، ناجح بامتياز شكلا ومضمونا ذلك انه حول شخصية هامة كان لها الفضل في تغيير التاريخ والنظام في العالم وفي وقت دقيق تتصاعد فيه الأزمة الأوكرانية ودخول الحرب يومها التاسع.
فميخائيل غورباتشوف، آخر رئيس للاتحاد السوفييتي، الذي احتفل بعيد ميلاده الـ92، منذ يومين فقط، هو اليوم يشاهد محاولات الرئيس الروسي الحالي فلادمير بوتين استعادة أمجاد الاتحاد السوفييتي الذي انهار على يده ، ونقصد، غورباتشوف ذي الأصول الأوكرانية عام 1991.
غورباتشوف اليوم بدا وحيداً بسنّ 92 عاماً، يشاهد من بعيد الحرب ضد موطنه الأصلي أوكرانيا التي كانت تتبع الاتحاد السوفييتي، قبل ثلاثة عقود.
وحسب مراقبون فاٍن آخر رئيس للاتحاد السوفياتي التسعيني يعيش وسط مشاعر كراهية متنامية يكنّها له القوميون الروس، على رأسهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وعلى الرغم من أن الغرب وبعض الروس يعتبرون ميخائيل غورباتشوف أهمّ شخصية تمكنت من تشكيل نصف القرن الأخير من تاريخ العالم، فإن معظم الروس وبعض أنصار الشيوعية حول العالم ينظرون إليه بطريقة مختلفة، إذ يرون فيه القائد السوفييتي الضعيف الذي دّمر الاتحاد السوفييتي وكان سبباً في سقوطه.
فمن هو ميخائل غورباتشوف الذي أسدل الستار النهائي على المشهد السوفيتي وغير التاريخ ؟
نشأته وحياته السياسية
حسب “ويكيبيديا” هو ميخائيل سيرغيفيتش غورباتشوف ولد في كراي ستافروبول لعائلة روسية-أوكرانية قروية، وفي مراهقته عمل مشغلاً لآلة الحصادة في الزراعة الجماعية.
تخرج غورباتشوف من جامعة موسكو الحكومية في عام 1955 بشهادة بكالوريوس في القانون. بينما كان في الجامعة انضم للحزب الشيوعي ومن بعدها أصبح فعالاً فيها.
في 1970 تم تعيينه سكرتير لأول حزب لأقليم ستافروبول، عين أول سكرتير للمجلس السوفيتي الأعلى في 1974.
ثم عين عضواً في المكتب السياسي في عام 1979.
في خلال 3 سنوات بعد موت الرئيس ليونيد بريجنيف تبعتها فترة وجيزة من ترتيب المناصب، رشح المكتب السياسي غورباتشوف ليتولى منصب الأمين العام للمجلس السوفيتي في عام 1985. وقبل توليه المنصب كان يذكر في الصحف الغربية بين الحين والآخر كقائد قادم ورجل من جيل أصغر سناً على مستوى عالٍ.
دقّ آخر مسمار في نعش الاتحاد السوفييتي
كان الاتحاد السوفياتي قوة عسكرية هائلة ذات جهاز أمني واسع النطاق، وكان احد “قطبي” العالم اللذان كانا في حرب باردة سادتها المواجهات السياسية والايديولوجية وأحيانا العسكرية بشكل غير مباشر بين سنتي 1947 و 1991 وهو أحد أكبر قوتين في العالم بعد الحرب العالمية الثانية مع الولايات المتحدة الامريكية، حيث قسما العالم الى معسكرين الأول شيوعي يتزعمه الاتحاد السوفياتي والثاني ليبرالي تتزعمه الولايات المتحدة.
لكن عشية 25 ديسمبر 1991 وبعد محاولة انقلاب فاشلة نفّذتها مجموعة من المحافظين في الحزب الشيوعي حاولت احتجازه وهو يقضي إجازة في شبه جزيرة القرم، صدم ميخائيل غورباتشوف مواطني الاتحاد السوفييتي والعالم أجمع، وأنهى هذا الاستقطاب الثنائي في العالم و خرج بخطاب تليفزيوني غير التاريخ ، حيث قدّم ميخائيل غورباتشوف استقالته وأعلن حلّ الاتحاد السوفييتي.
صدمة هزت العالم وأعادت ترتيب أوراقه بررها سيرغي رادشينكو، مؤرخ الحرب الباردة، ب”أن من تنبأوا بانهيار الاتحاد السوفيتي كانوا قلة، ولم يفهم سوى قلة من المراقبين مدى ضآلة الصفة الشرعية التي يمتلكها النظام.” مؤكدا أن الاتحاد السوفياتي انهار داخلياً بسبب الفساد، وفقدان الإيمان بالأيديولوجية، ومستويات المعيشة المزرية، وأخيراً بسبب صراع النخبة. وفي النهاية، كان انشقاق النخبة هو الذي أدى إلى إسقاط النظام، فضلاً عن الافتقار إلى الشرعية الشاملة. ما الهدف من الاتحاد السوفييتي إذا أصبح بناء الشيوعية أمراً غير وارد؟”
أما ميخائيل غورباتشوف فقد اعتبر في مقابلة نادرة له أجراها مع BBC عام 2016، إن حلّ الاتحاد السوفييتي كان “جريمة وانقلاباً”، مضيفاً أن الاتحاد السوفييتي انهار عام 1991 بسبب “الخيانة”. ومتحدثاً عن اللحظة التي تغير فيها العالم قال، اليوم الذي انهارت فيه القوة العظمى السوفييتية، قال غورباتشوف: “ما حدث لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية كان درامياً”.
بوتين يريد استعادة أمجاد الاتحاد السوفياتي وترك بصمة في التاريخ
حسب مراقبون فاٍن غورباتشوف بالنسبة إلى بوتين كان وسيطاً للغرب و لم يكن بطلاً لشعبه، فقد احتقر كثير من الروس غورباتشوف باعتباره مدمر إمبراطوريتهم، ودعموا بوتين كمرمّم لها.
ويصف السياسيون والمحللون السياسيون والاستراتيجيون والجميع في كل أنحاء العالم، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه يعمل على استعادة “أمجاد الاتحاد السوفياتي”.
وحسب صحيفة وول ستريت جورنال”، فاٍن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “يخاطر بأكبر مقامرة في حياته المهنية لمحاولة استعادة أمجاد روسيا المفقودة”.
وأضافت الصحيفة أنه ومنذ تفكك الاتحاد السوفيتي فقدت موسكو 48.5 بالمئة من سكان ذلك الاتحاد العالمي، بما في ذلك عشرات الملايين من الناطقين بالروسية الذين تقطعت بهم السبل خارج الحدود المقطوعة، و41 بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي.
كما خسرت روسيا أيضا مكانتها العزيزة كقوة عالمية ونظير استراتيجي للولايات المتحدة.
وتقول صحيفة “وول ستريت جورنال” إن الرئيس بوتين، الذي يتولى السلطة منذ عام 1999، كرس نفسه لقضية الدولة السوفيتية وإعادة أمجاد بلاده المفقودة، إذ دائما ما يوصف تفكك الاتحاد السوفيتي بأنه أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين.
واشعال بوتين حرب برية واسعة النطاق هي الأولى في القارة الأوروبية منذ أربعينات القرن الماضي، حيث يسعى إلى إعادة كتابة الترتيبات الأمنية للقارة والتراجع، جزئيا على الأقل، عن هزيمة روسيا في الحرب الباردة، بحسب الصحيفة الأمريكية.