نزيهة التواتي حمزة
لا تزال تونس تغوص أكثر فأكثر في جملة من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الخانقة.
ففي ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد تستمر الأزمة السياسية فيها وتتسع الهوة أكثر فاكثر بين رئيس الجمهورية قيس سعيد ومعارضيه لتزيد التسريبات والاتهامات المتبادلة “الطينة بلة”، والشعب التونسي يصارع وحده مشقة الحياة وصعوبة العيش الذي لم يعد بال”كريم”.
وفي المقابل حكومتنا “التاريخية”، حسب البعض، لأنها لأول مرة في تاريخ تونس تكون بقيادة امرأة وهي السيدة نجلاء بودن، تعمل “بصمت”، لكنه حسب الملاحظين ” صمت مريب”، غابت نتائجه.
ذلك انه تم تسجيل زيادة في العجز التجاري، حيث تجاوز حاجز 40 بالمئة مقارنة بالعام الماضي، فقد أظهرت بيانات رسمية، تفاقم العجز التجاري للبلاد ليصل إلى 4.3 مليارات دينار (1.42 مليار دولار) خلال الربع الأول من العام 2022، بزيادة 40.2 بالمئة على أساس سنوي.
وحسب المعهد التونسي للإحصاء، فاٍن العجز التجاري كان في حدود 3.06 مليارات دينار (1.01 مليار دولار) في الربع الأول من العام 2021.
وعلى ضوء هذه النتائج هناك أنباء تفيد أن رئيس الجمهورية قيس ربما يلجأ الى تحوير وزاري لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
فق أكد الإعلامي نشأت عزوز ان رئيس الجمهورية قيس سعيد التقى السيدة نجلاء بودن في 3 مناسبات في ظرف48 ساعة وبدون أن يترأس المجلس الوزاري الأسبوعي.
وأضاف عزوز في تدوينة على صفحته الرسمية بموقع” فيس بوك”، أنه ربما “هناك تحوير وزاري في الأفق لمواصلة المرحلة ،التي وصفها ب”المتبقية” بعد فشل العديد من الوزراء في مهامهم وانعكاسه على الوضع الاجتماعي والاقتصادي والأمني في البلاد.
أداء سلبي للحكومة
لم تشفع لحكومة بودن المتكونة من 24 وزيرًا وكاتبة دولة وحيدة صفة “التاريخية” فقد طالتها الانتقادات منذ تنصيبها في 11 أكتوبر 2021، فولادتها كانت في ظروف دقيقة وفي ظل أزمة سياسية حادة بعد إجراءات رئيس الجمهورية قيس سعيد يوم 25 جويلية 2022، وسلسلة القرارات منها تجميد اختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه، وإلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وترؤسه للنيابة العامة، وإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، على أن يتولى هو السلطة التنفيذية بمعاونة حكومة.
لكن حسب المتابعين للشأن الوطني لم تغتنم حكومة بودن هذه الفرصة “التاريخية” لتحقيق نتائج تخرج البلاد من الأزمة الخانقة التي تعيشها. فحسب منظمة “أنا يقظ” فاٍن الحكومة أخفقت في تحقيق وعودها منذ مباشرة مهامها كما اعتبرت المنظمة ان ”أداء رئيسة الحكومة “سلبياً” بالمقارنة بما وعدت به، في مجال الحوكمة ومقاومة الفساد، وكذلك في المجالين الاقتصادي والاجتماعي”.
كما يرى البعض أن هناك فشل واضح لحكومة بودن في اعطاء صورة وجود حكومة متناسقة وتعمل وفق برنامج متناسق وواضح.
الأمر الذي جعل نتائج وخيمة على الاقتصاد وعلى قدرة المواطن التونسي.
أعلى نسبة تضخم منذ ” سنوات
وسجلت نسبة التضخم في تونس أعلى مستوى لها منذ ثلاث سنوات لتصل إلى مستوى 7.2 في المئة خلال شهر مارس 2022، بعد أن كانت في حدود سبعة في المئة خلال الشهر السابق و6.7 في المئة خلال شهر فيفري 2022، وفق ما نشره المعهد الوطني للإحصاء.
وبلغت نسبة التضخم في العام الماضي 5.7 في المئة، و5.6 في المئة في عام 2020، و6.7 في المئة في عام 2019.
أسعار من نار.. والتونسي يتذمر
وتعكس هذه النسبة المرتفعة من التضخم ما تعرفه تونس من أزمة اقتصادية كبيرة أججتها الأسعار “المستعرة” منذ مطلع العام الحالي، إذ عرفت أسعار جل المنتوجات، خصوصاً المنتوجات الأساسية من خضر طازجة وغلال وسلع، منحى تصاعدياً يزداد تقريباً يومياً، وفق معاينة يومية لحركة الأسعار في مختلف الأسواق التونسية.
ويتذمر التونسيون من لهيب الأسعار التي “أحرقتهم” ولم يعودوا قادرين على مجاراة النسق السريع لحركة الأسعار، وسط دخل شهري متواضع جداً، وتزايد عمليات المضاربة واحتكار السلع.
وأرجع المعهد الوطني للإحصاء هذا التطور في نسبة التضخم خلال شهر مارس، بالأساس، إلى تسارع نسق ارتفاع أسعار المشروبات الكحولية والتبغ (من 19.4 إلى 21 في المئة) والملابس والأحذية (من 8.9 إلى 9.8 في المئة) والأثاث والتجهيزات والخدمات المنزلية (من 5.7 إلى 6.1 في المئة).
وأشار المصدر ذاته، إلى أن أسعار المواد الغذائية عرفت، باحتساب الانزلاق السنوي، ارتفاعاً بنسبة 8.7 في المئة بسبب زيادة أسعار البيض بنسبة 22.2 في المئة وزيت الزيتون، بنسبة 20.6 في المئة، والغلال الطازجة، بنسبة 18.9 في المئة، والدواجن بنسبة 14.1 في المئة.
كما زادت أسعار الأجبان ومشتقات الحليب بنسبة 8.8 في المئة، والأسماك الطازجة بنسبة 8.6 في المئة، ومشتقات الحبوب بنسبة سبعة في المئة، مقابل تراجع أسعار الفواكه الجافة بنسبة 4.3 في المئة.
وشهدت أسعار المواد المصنعة هي الأخرى ارتفاعاً بنسبة 8.4 في المئة، باحتساب الانزلاق السنوي، وفق بيانات المعهد.
وأرجع المصدر ذاته ذلك، أساساً، إلى ارتفاع أسعار المواد الصيدلية بنسبة 4.1 في المئة، ومواد البناء بنسبة 11.2 في المئة، والملابس والأحذية بنسبة 9.8 في المئة، ومواد التنظيف بنسبة 5.9 في المئة.
كما اتجهت أسعار الخدمات صعوداً لتزيد بنسبة 4.7 في المئة، ويعزى ذلك بالأساس إلى ارتفاع أسعار خدمات المطاعم والمقاهي والنزل بنسبة 7.1 في المئة، وخدمات الصحة بنسبة 4.1 في المئة، وأسعار الإيجارات بنسبة 4.4 في المئة.
وبين المعهد الوطني للإحصاء أن التضخم الضمني لشهر مارس 2022، أي التضخم من دون احتساب الطاقة والتغذية، بلغ نسبة 6.8 في المئة بعد أن كان بحدود 6.6 في المئة خلال شهر فيفري 2022.
وشهدت أسعار المواد الحرة ارتفاعاً بنسبة 7.4 في المئة مقابل 6.6 في المئة بالنسبة إلى المواد المؤطرة، مع العلم أن نسبة الانزلاق السنوي للمواد الغذائية الحرة بلغت 9.7 في المئة مقابل 3.6 في المئة بالنسبة إلى المواد الغذائية المؤطرة.
مفاوضات مع صندوق النقد الدولي صعبة وغير مضمونة
ففي ضوء أزمة مالية خانقة تعصف بتونس بعد أن تجاوزت الديون الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 100 بالمئة، تراهن حكومة نجلاء بودن على الحصول على قرض بقيمة 4 مليارات دولار لتجاوز المصاعب الاقتصادية والمالية لاسيما سد عجز الميزانية العمومية.
بيد أن مسار المفاوضات بين الحكومة التونسية وصندوق النقد الدولي ليس مفروشا بالورود، بل يمكن القول إنه مفروش بالأشواك؛ إذ تشترط المؤسسة المالية التي تتخذ من واشنطن مقرا لها، أن تنفذ الحكومة التونسية برنامج إصلاحات اقتصادية وبنيوية يشمل خفض الدعم وتجميد الأجور.
وبدأت تونس منذ منتصف أفريل الماضي، في هذه المفاوضات “الصعبة وغير مضمونة النتائج”، حسب وصف الخبراء والمحليون
ففي 2 فيفري الماضي، دعا الصندوق السلطات التونسية إلى ضرورة خفض فاتورة الأجور (تبلغ 17.6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي) والحد من دعم الطاقة، وإعطاء أولوية الإنفاق لقطاعات الصحة والاستثمار والحماية الاجتماعية.
وحسب خبراء اقتصاديين فاٍن “تونس مطالبة بتقديم حزمة اقتصادية واجتماعية وسياسية، فيها خارطة طريق واضحة نحو الاستقرار السياسي وتعديل الوضع الاجتماعي وتجاوز الأزمة الاقتصادية”.
وفي حال فشلت المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، “فإن البلاد ستكون في وضعية مشابهة للوضعية اللبنانية”، حسب تقديرهم.
فالتحديات تتضاعف يوما بعد يوم أمام حكومة نجلاء بودن التي ولدت تحت ضغط وهي الحكومة العاشرة منذ ثورة 2011، والثالثة منذ الانتخابات التشريعية سنة 2019، بعد فشل حكومة الحبيب الجملي، واستقالة حكومة إلياس الفخفاخ في 15 جويلية 2020، وإعفاء حكومة هشام المشيشي بتاريخ الخامس والعشرين من جويلية الماضي.
فحسب العديد من المتابعين فاٍن حكومة نجلاء بودن”جاءت في ظروف استثنائية، وتركيبتها لا تملك رؤية واضحة واستراتيجية عمل متكاملة للمستقبل الاقتصادي والاجتماعي في تونس” خاصة وأنها ورثت تركة ثقيلة من الحكم الفاسد، لذاك فاٍن التحوير الوزاري يمكن أن يكون حلا لانقاذ ما يمكن انقاذه