أعلنت الحكومة البريطانية أن سلالة فيروس كورونا التي اكتشفت حديثاً قد تكون أكثر قابلية للانتقال بنسبة 70 في المئة من مسبب المرض الأصلي.
ولقد أدى هذا إلى زيادة عدد الإصابات وحالات الاستشفاء في جميع أنحاء لندن والجنوب الشرقي، ما اضطر الحكومة إلى فرض سلسلة جديدة من القيود في محاولة لوقف انتشار “كوفيد-19”.
إذاً ماذا نعرف عن السلالة الجديدة؟
ينتشر هذا النوع من الفيروس بسهولة أكبر بين الناس نتيجة سلسلة من التحولات الجينية التي تم تحديدها في الترميز الجيني المسبب للمرض. ومع ذلك، لا يعتقد أنه يزيد من حدة الإصابة بـ”كوفيد-19″ أو من معدل الوفيات.
وفي هذا الصدد، قال السير باتريك فالانس، كبير المستشارين العلميين للحكومة، إن التحليل أظهر أن السلالة الجديدة تحتوي على 23 تحولاً جينياً مختلفاً، يرتبط عديد منها بما يسمى روتين الأشواك (Spike Protein)، وهو الجزء الذي يجعل الفيروس يتعلق بخلايا جسم الإنسان.
وتكمن أهمية هذه التحولات في أن أغلب اللقاحات التي يجري تطويرها تستهدف هذه الأشواك (spikes)، وإذا تغيرت أشواك الفيروس إلى درجة يصعب التعرف عليها، فلن يكون التلقيح قادراً على إحداث الاستجابة المناعية اللازمة لدى الناس.
هل هذا يعني أن اللقاح سيكون غير فعال؟
لحسن الحظ، لا. فينبغي أن تعرف البروتينات التي تغطي قشرة الفيروس تحولات جينية كبيرة لتجعل اللقاحات غير فعالة، وهو أمر لا يبدو أنه قد حدث في هذه المرحلة. لكن، لا يزال التحليل جارياً.
وخلال الإفادة التي قدمها يوم السبت الماضي، قال السير باتريك فالانس “إن الافتراض العملي الذي استقيناه من جميع العلماء يشير إلى أن الاستجابة للقاح لا بد أن تكون كافية لهذا الفيروس”. وأضاف “إننا بحاجة إلى البقاء يقظين بشأن هذا”.
من ناحيته، قال دانيال ألتمان، أستاذ علم المناعة في إمبريال كوليدج لندن، إن “الاستجابة المناعية الناجمة عن لقاحات (كوفيد-19) لن تتغير بسبب التغيرات الجينية، لذا ستظل اللقاحات فعالة”.
ما مدى انتشار السلالة الجديدة؟
حتى الآن، يبدو أن الشكل الجديد يتركز في جنوب إنجلترا ومحيطها.
دعونا نُلقِ نظرة على الأرقام حتى 9 ديسمبر (كانون الأول)، كان الفيروس المتحور مسؤولاً عن:
43 في المئة من الحالات، و28 في المئة من حالات الاستشفاء في الجنوب الشرقي، و59 في المئة من الحالات، و38 في المئة من حالات الاستشفاء في الشرق
62 في المئة من الحالات، و34 في المئة من حالات الاستشفاء في لندن.
لماذا تحور الفيروس؟
إن الفيروسات تتغير طوال الوقت، وهذا الفيروس ليس مختلفاً. ولقد أشار سايمون كلارك، الأستاذ المساعد في علم الأحياء الدقيقة الخلوية بجامعة ريدينغ، إلى أن “فيروس كورونا تحور عدة مرات خلال العام الماضي”.
من جانبه، أوضح جوناثان ستوي، وهو عالم فيروسات في معهد فرانسيس كريك في لندن، أن التحولات تنشأ عادةً في الفيروسيات “نتيجة أخطاء في نسخ المادة الوراثية الفيروسية”. وأضاف أن هذا يؤدي إلى تغيرات طفيفة في بروتينات الفيروس، مثل تلك التي تحدث في أشواك (نتوءات) الفيروس.
ويساعد أيضاً انتقال الفيروس بين الكائنات المختلفة في إحداث تغيرات في الترميز الجيني للفيروس، وهو تطور رأيناه بالفعل يحدث في Sars-Cov-2بعد أن انتقل إلى حيوان المنك، ثم عاد منه إلى البشر في الدنمارك.
ويمكن للضغوط العامة على الفيروس، مثل ظهور لقاح أو نقص في الأجسام المضيفة، أن تحدث تطورات مواتية تسمح له بالتكيف والبقاء.
وقالت ويندي باركلي، رئيسة قسم الأمراض المعدية في إمبريال كوليدج لندن، إن “التحولات الجينية متوقعة أثناء تكاثر (الفيروس)”.
وأوضحت أنه “لوحظ بالفعل وجود تغيرات في بروتين الأشواك الخاص ببعض الأنواع لأنه يجري تعقب الفيروس بشكل مكثف هنا في المملكة المتحدة وحول العالم”.
كيف تفاعل العلماء مع السلالة الجديدة؟
قال جون إدموندز، الأستاذ في مركز النمذجة الرياضية للأمراض المعدية في كلية لندن للصحة والطب الاستوائي “يبدو أن هذا الفيروس مُعدٍ أكثر بكثير من السلالات السابقة، وهذا يعني أنه من أجل السيطرة عليه، سيتعين علينا فرض مزيد من الإجراءات التقييدية، ويؤسفني القول إننا مقبلون على أوقات عصيبة على ما يبدو. لكن، كلما تصرفنا بشكل أسرع وعلى نحو أكثر حزماً، استطعنا البدء بشكل أسرع في السيطرة على هذا الفيروس الجديد”.
من ناحيته، قال بول هانتر، الأستاذ في كلية نورويتش الطبية بجامعة إيست أنجليا “إنه لأمر حتمي أن ينتشر هذا النوع الجديد في جميع أنحاء المملكة المتحدة، ويمكننا أن نتوقع زيادة معدلات انتشار العدوى في جميع المناطق والإدارات المفوضة خلال الأسابيع المقبلة”.
ولفت رافيندرا غوبتا، أستاذ علم الأحياء الدقيقة في جامعة كامبريدج، إلى أن “المتغير يحمل تحولات جينية مقلقة تستدعي احتواء انتقاله من خلال القيود الاجتماعية، بينما نعمل على معرفة المزيد حول تأثير هذه التحولات الجينية على سلوك الفيروس، ويجب أن نفكر بجدية في توجيه اللقاح لمناطق معينة من أجل احتواء انتشاره”.