طرحت الكنفدرالية العامة التونسية للشغل وثيقة مقترحات “خارطة طريق من أجل الخروج من الأزمة العميقة والشاملة وبناء تونس متضامنة ومتعددة ومزدهرة”. وجاء في الوثيقة التي تحصّلت “الشروق أون لاين” على نسخة منها ما يلي:
تعيش بلادنا أزمة عميقة و شاملة ومزمنة على جميع المستويات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية علاوة على إضعاف السيادة الوطنية وذلك لعدة أسباب يمكن أن أذكر أهمها وهي :
أولا- إنهاك الدولة مما ترتب عنه فوضى وإنفلات في جميع المجالات بسبب عجز الدولة على تطبيق القانون و احترامه مما أدى إلى الإعتاداء على المواطنين (براكاج) والإعتداء على الممتلكات العامة والخاصة وتفشي الفساد والمس من السيادة الوطنية.
ثانيا- مواصلة إنتهاج منوال تنموي متوحش نيوليبرالي زاد في تدهورا لوضع الاقتصادي و الاجتماعي و في تفشي البطالة والفقر و تعميق الفوارق الاجتماعية وارتفاع وتفاقم عجز الصناديق الاجتماعية و تدهور المقدرة الشرائية للطبقة الوسطى و الفئات الشعبية و الهشة و تردي خدمات المرفق العمومي وتدهورا لوضع البيئي وو عجز السياسات العمومية المعتمدة من الدولة في احتواء هذا الوضع الكارثي على نسيجنا الاقتصادي و التوازنات الاجتماعية الهشة وتفاقم الدين الخارجي و التفريط في إسترجاع الأموال المنهوبة بدون محاسبة و معاقبة وهيمنة الإقتصاد الريعي لخدمة فئة قليلة من العائلات المخزنية
ثالثا- وهوما زاد الوضع سوءا، الانتشار السريع والواسع لجائحة كورونا و الأضرار الصحية الكبيرة التي أدت إلىها إذ أصابت عشرات الآلاف من المواطنين وأدت إلى وفاة الآلاف بلغ عددهم إلى حد الآن أكثر من 5000 ضحية وذلك بسبب الإدارة السيئة للوضع الصحي من طرف السلطة التي وصل بها الأمر لتسول التلاقيح من دولة شقيقة في ظل وضع متردي للمستشفيات العمومية بالرغم من الدور البطولي للجيش الأبيض وغياب مخجل للقطاع الخاص ، كما إمتد ضرر جائحة كورونا ليشمل الوضع الإقتصادي و الإجتماعي و النفسي حيث تعرض جزء من النسيج الإقتصادي للتدمير وأفلس عدد هام من المؤسسات و وقع تسريح آلاف العمال و تعرضهم إلى صعوبات نفسية الخطيرة بسبب البطالة و الحجر وبإعتبار تعدد مخاطرها أطلقعليه الخبراء مفهوم جديد يسمى ( سندمي )عوض (البندمي)
(Syndémie au lieu de pandémie )
إن هذا الوضع البالغ الصعوبة هو نتيجة لتعقيدات مرحلة التدرب على الديمقراطية من ناحية و للإدارة السيئة لمرحلة الانتقال الديمقراطي من قبل القوى المخزنية و الشعبوية خاصة، وهوما ترتبت عنه انحرافات خطيرة لا يمكن تجاوزها بالرجوع للماضي الاستبدادي لان في ذلك ضرب من الانتحار وتنكر لتضحيات أجيال ناضلت من أجل الحرية و الديمقراطية
وعلى خلفية هذا الوضع المؤلم و المتسم بضعف الدولة وتهميش المجتمع المدني خاصة في زمن الكورونا:
-إندلعت في المدة الأخيرة إحتجاجات شبابية فاقدة الأفق لإسباب يطول شرحها إتسمت بالعنف و النهب و البلطجة و الإعتداء على أملاك المواطنين و الدولة وهي أشكال مدانة ،ندعو إلى فتح تحقيق في أسبابها مع تأكيدنا على عدم إقتصار معالجتها على الجوانب الأمنية لتشمل الأبعاد التربوية و الإقتصادية و الإجتماعية.
– كما طرحت مبادرة الحوار الوطني من عدة أحزاب و كذلك من إتحاد الشغل ونحن بطبيعة الحال مع الحوار المثمروالمسؤول و الجاد و الناجع لكننا لسنا مع حوار الطرشان للتموقع السياسوي بين أطراف متنازعة و متصارعة لأن للحوار شروطه و آدابه و آلياته وضوابطه حتى يحقق الأهداف المنشودة.
وفي تقديرنا فإن الدولة هي الموهلة الوحيدة لإدارة الحواروتسخيرمؤسساتها وأجهزتها للإعداد الجيد له بدون إقصاء أو وصاية مع ضرورة الكف عن خلط الأدوار بين المجمع السياسي و المجتمع المدني فليس من حق منظمات المجتمع المدني تعويض مؤسسات الدولة إضعافها لتحقيق غايات سياسوية غير معلنة لكنها معلومة من الجميع وإلا يصبح تنظيم إنتخابات رئاسية و تشريعية عبث وتبذير للمال العام.
وفي هذا الإطار ندعو للكف على احتكار الساحة النقابية من قبل إتحاد الشغل و إقصاء بقية المنظمات النقابية في انتهاك صارخ لدستور البلاد وقوانين الشغل والأحكام القضائية و مقررات منظمة العمل الدولية الصادرة في هذا الشأن مع تأكيدنا على ضرورة حيادية وزارة الشؤون الاجتماعية التي يلعب فيها وزيرا لشؤون الاجتماعية الحالي دور المنحاز لإتحاد الشغل ومعاد لبقية المنظمات النقابية في وضع تضارب المصالح,
و لتصحيح المسار، ندعو لإعادة الاعتبار للدولة التونسية حتى تتحمل مسؤولياتها التاريخية لكي تمارس دورها كدولة القانون والمؤسسات لقيادة عملية التحول الديمقراطي دون سواها وإتخاذ إجراءات عملية عاجلة تليها إجراءات مكملة لها لاحقا في آجال متوسطة لتحقيق الأهداف المنشودة.
*فمن المطلوب من الدولة بكل مؤسساتها الآن وبسرعة إتخاذ الإجراءات العاجلة و المتأكدة االتالية:
– توفير التلاقيح بالسرعة القصوى خلال شهري جانفي و فيفرى من السنة الجارية لكافة المواطنين و المواطنات مجانا لضمان صحتهم على غرارعديد الدول الشقيقة والصديقة وهي من أوكد المسؤوليات الوطنية للدولة مع إعطاء الأولوية للعاملين في المرفق العمومي مثل قطاعات الصحة و التربية والعدلية وكبار السن و ذوي الأمراض المزمنة و الإعاقة…
– حفظ الأمن وردع المعتدين على المواطنين و المواطنات(براكاج)
– النهوض بالتشغيل كأولوية وطنية وصلاح المرفق العمومي إبتداءا من المنظومتين التربوية والصحية
*توفير الرعاية الصحية الشاملة و المجانية واتخاذ إجراءات عملية لوضع حد لتدهور المقدرة الشرائية للشغيلة و تقديم إعانات و منح عاجلة للفئات الهشة لاسيما العاطلين عن العمل من الشباب و القطاعات المتضررة من جائحة كورونا مثل قطاع السياحة و المقاهي و المطاعم والفنانين وتجارة التفصيل وعمال الحضائر والقطاعات الهشة الغير منظمة مثل عاملات المنازل والأرياف والصناعات التقليدية والإحاطة بهم وإصلاح الصناديق الاجتماعية.
– توفير وسائل الوقاية للمواطنين وتمكين المستشفيات من التجهيزات و المعدات المتطورة والعناية بالأسلاك الطبية وشبه الطبية وتحفيزها.
– دعم قطاع الاقتصاد الاجتماعي و التضامني و الإسراع بإصدار المراسيم و الأوامر المتعلقة بتفعيل القانون الصادر في شأنه ليلب دوره في خلق تنمية بديلة مستدامة وعادلة.
– مساندة المؤسسات الصغرى و الصغيرة والمتوسطة ومنحها تسهيلات بنكية وقروض لمجابهة أزمة كورونا و المحافظة على مواطن الشغل
– العناية بمراكز التكوين المهني في شتى الإختصاصات و تجهيزها و تشجيع الشباب للإقبال عليها و تقديم الحوافز لهم لسعد فراغ فادح في المهن وخلق مواطن شغل لائقة.
– معاقبة كل من يعطل الإنتاج و المرفق العمومي أو يستعمل العنف والنهب مع إقرارحق الإضراب طبقا لقانون الشغل و حق الإحتجاج و التظاهر السلمي كمكسب لا يجب التفريط فيه للدفاع عن حقوق المشروعة للعمال والجهات المحرومة من التنمية والعيش الكريم.
– القيام بحملة منهجية لمقاومة التحيل الجبائي وتفكيك منظومة الفساد وردعها.
– القيام بحملات في كامل أنحاء الجمهورية من أجل احترام البرتوكول الصحي وقواعد الصحة والسلامة الواقية من جائحة الكورونا وسلامة البيئة والمحيط واحترام القانون ومقاومة العنف بجميع أشكاله تساهم جميع المؤسسات الاقتصادية و التربوية و الصحية و البلديات و المجتمع المدني وجميع المواطنين والمواطنات وفي مقدمتهم الشباب مستقبل تونس الغد تخت رعاية الدولة و مؤسساتها.
– ترشيد نفقات الوزارات والإدارات العامة للوظيفة العمومية و للمؤسسات العمومية ووضع حد للإمتيازات المجحفة
– الإيقاف الفوري لاستيراد الكماليات التي تستنزف العملة الصعبة مثل السيارات الفخمة……..
– إحترام الحق النقابي وتفعيل التعددية النقابية وتشريك كل المنظمات النقابية المؤسسة قانونيا في عضوية المجلس الوطني للحوار الاجتماعي و تحييد وزارة الشؤون الاجتماعية لضمان حوارإجتماعي ثلاثي تعددي وناجع.
– وضع حيزالتنفيذ قرارات محكمة المحاسبات المتعلقة بالتجاوزات الواقعة في الإنتخابات الرآسية و التشريعية و البلدية الأخيرة و التي سبقتها لتكريس دولة القانون و المؤسسات وتحقيق الشفافية
* كل هذه الإجراءات العاجلة تمهد الأرضية و توفر الشروط لإتخاذ الدولة المبادرة على المدى المتوسط لإدارة وقيادة حوار وطني مسؤول وجاد بإعتبارها المؤتمة على الشأن العام دون غيرها دستوريا و إنتخابيا بتشريك فعلى بدون وصاية أو إقصاء للأحزاب ولمكونات المجتمع المدني من جمعيات ونقابات وممثلي المؤسسات و الشباب و النساء والشخصيات والوطنية والجامعيين والخبراء في شتى المجالات والفنانين في مختلف إختصاصتهم وفق منهجية تضبط قواعد واضحة لإقامة حوار مواطني نزيه و تعددي ومسؤول دن مزايدة وبعيدا عن كل تموقع سياسوي وذلك بهدف إصلاح المسار في جميع جوانبه السياسية والاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية عبر تقييم موضوعي وشامل للتجربة التونسية في مجال الانتقال الديمقراطي وتقديم مقترحات عملية وبدائل قابلة للإنجاز وعبر المساهمة :
1- في مراجعة منظومة الحكم عبر مراجعة الدستور ، و مراجعة القانون الإنتخابي لضمان تمثيل واضح و متماسك للناخبين ،تكريس السيادة الوطنية ، تفعيل دور المؤسسات الدستورية مثل (هيئات الإنتخابات والوسائل السمعية والبصرية ومقاومة الفساد) و إحترام إستقلاليتها و إعطائها الإمكانيات المالية و البشرية اللازمة، إعادة إحياء المجلس الإقتصادي و الإجتماعي و البيئي كمؤسسة دستورية هامة نص عليها دستور 1959، و تعيين أعضاء المحكمة الدستورية بطريقة بعيدة عن المحاصصة الحزبية او الفئوية باعتبارها الضامن لدولة القانون مع ضرورة الإستئناس برأي الخبراء الأكفاء و المستقلين.
2- و مراجعة منوال التنمية والقطع مع الطابع الريعي للاقتصاد الوطني والتوجه النيوليبرالي و إعتماد منوال تنمية مستدام، تشاركي،عادل و منتج ورقمي يعطي أهمية للقطاع الفلاحي ويعيد الإعتبار للعمل كقيمة حضارية ويحقق جودة الخدمات العمومية المتردية في النقل و التربية و الصحة و السكن الإجتماعي و الثقافة، وتشغيل الشباب وتوفيررعاية صحية شاملة و مجانية ضمن بناء نظام حماية إجتماعية شاملة ومجانية ، و مراجعة سياسة المداخيل و القيام بإصلاح جبائي عادل بما يضمن توزيع عادل للدخل وتحسين المقدرة الشرائية للأجراء و ضعاف الحال، وتشجيع الإنتاج الوطني و البحث العلمي و الابتكار لتكريس السيادة الوطنية وإجراء إصلاح فعلي وناجع للإدارة و المؤسسات العمومية و رقمنتها مع ضمان حوكمة جيدة ومقاومة الفساد بشكل منهجي و ليس ظرفي وإصلاح القطاع البنكي ليصبح في خدمة التنمية.
3- التعاون مع المنظمات الدولية وفي مقدمتها مجلس الأمن الدولى و الجمعية العمومية للأمم المتحدة والعمل المشترك مع البلدان الشقيقة و الصديقة في الشرق و الغرب للتصدي الجماعي لجائحة كرونا و إنعكاساتها الصحية و الإقتصادية الخطيرة على غرارمبادرتنا المتمثلة في العريضة التي وجهناها للأمين العام للأمم المتحدة خلال شهر مارس 2020 حيث طالبنا فيها بعقد إجتماع إستعجالي لمجلس الأمن الدولي و الجمعية العمومية من أجل تحقيق تضامن عالمي لمواجهة الجائحة كخطر عالمى لابد من مواجهتها عالميا ولقد وجهنا مراسلة رسمية إلى رئيس الدولة دعوناه لتبني مبادرتنا ولقد أستجاب لطلبنا. نجدد اليوم الدعوة لتحمل المنظمات الدولية مسؤولياتها في توفير التلاقيح ووسائل العلاج مجانا خاصة للبلدان الفقيرة ووضع صحة البشر و سلامة البيئة فوق كل إعتبار ورفض سلعنتها.
نؤكد على ضرورة عدم خلط الأدوار بين المجتمع السياسي و المجتمع المدني لتجنب إعادة إنتاج المنظومة القديمة الاستبدادية وتمكين القوى و المنظمات الجديدة من الشباب والنساء من المشاركة الفاعلة في الشأن العام والكف عن تهميشها وتأكيد الدور القيادي للدولة فى إدارة الإنتقال الديمقراطي وإقامة الحوارات الوطنية القطاعية والجهوية والمحلية والسهرعلى تطبيق القانون بدون تمييزأو إقصاء.
4- كل هذه الإجراءات تتوج بإنتخابات تشريعية و بلدية ديمقراطية و شفافة تكرس سيادة الشعب و تحقق نجاح مرحلة الإنتقال الديمقراطي وتؤكد الإستثناء التونسي .
ولا شك أنه في تحقيق الدولة لهذه لإجراءات بشراكة مع المجتمعين المدني و السياسي في الآجالين العاجل و المتوسط المذكورين، هو إعادة الإعتبارالفعلي للدولة التونسية كدولة القانون و المؤسسات لها القدرة و الكفاءة لبناء تونس متضامنة و متعددة ومزدهرة