قال المختص في علم النفس، نعمان بوشريكة، اليوم الثلاثاء، إن حادثة الاعتداء الاجرامي على الأستاذ الصحبي سلامة بعد طعنه من طرف تلميذ بمعهد ثانوي بالزهراء من ولاية بن عروس، كشفت عن مدى تفاقم العنف في الوسط التربوي، معتبرا انها “نتيجة غير مفاجئة لواقع تربوي منخرم ينذر بحدوث جرائم أكثر بشاعة في مؤسسات التعليم العمومي”.
ولاحظ بوشريكة في تصريح لوكالة تونس افريقيا للأنباء، أن افتقار النظام البيداغوجي التربوي العمومي لمواد تتركز على غرس الأخلاق والقيم، أدى إلى انحراف المدارس والمعاهد عن دورها التربوي، معتبرا أن المسؤولية جماعية ويجب أن تتقاسمها كل الأطراف من أجل معالجة العنف.
ونبّه من أن تهميش مواد التنشئة الاجتماعية التي تهم خاصة التربية المدنية والرياضة، ساهم في تراجع تأطير التلاميذ بمؤسساتهم التربوية، مشيرا الى أن تقوية الاهتمام بهذه المواد من خلال اعطائها الحيز اللازم من الحصص يغرس قيم الانضباط واحترام المنافس ويقوّي الانتماء للمجموعة والفضاء التربوي ويزيد شعور التلميذ بالانفصام عن المؤسسة التربوية، حين يبقى الساعات الطوال في تلقي الدروس ذات المحتوى التلقيني التي تحد من قدراته الابداعية ولا تراعي متطلبات التطور التقني، حسب ما بينه المختص.
وشدّد على أن ارتفاع سقف المطالبة بتحصيل أعلى النتائج من طرف الأولياء للتلاميذ يمس من توزانهم النفسي. ووصف الجيل الجديد من التلاميذ بأنه “جيل الشاشات” لارتباطه بمتابعة المستجدات التقنية، ونظرا لاندماج عدد هام من هؤلاء المتعلمين بألعاب الفيديو التي تنشر محتوى يعزز الشعور بالمغامرة والادمان، كما أن نسبة منهم تتابع وسائط التواصل الاجتماعي وهي مواقع لا تخلو من محتوى عنيف.
ولفت في هذا السياق إلى انه في ظل التطور التقني، ظلت المؤسسات التربوية شبه معزولة أو تكاد عن محطيها، وأصبح تلاميذ اليوم يفضلون استخدام البرمجيات والأجخزة الرقمية عوض تكبد عناء الكتابة على أوراق الكراس، مبينا انه من الضروري التفكير في ادخال مواد تتمحور حول التجديد التقني كالروبوتيك، فضلا عن تأطير التلاميذ بمواد تنمي الحس النقدي لديهم كالمسرح والفلسلفة.
وترافق الظرف الحالي الذي شهد ثورة رقمية، مع نشأة جيل من التلاميذ بلا أفكار ودون ايديولوجيا يدافع عنها بما أدى الى عدم تأطير نزعة الغضب والتمرد التي يتصف بها المراهقون في مساحات مؤطرة، وفق رأي بوشريكة الذي دعا إلى ضرورة العمل على دعم التكوين النفساني للمعلمين والأساتذة لتمكينهم من القيام بدورهم في تأطير التلاميذ.
كما كان لتراجع دور العائلة دور في تفشي العنف بالوسط المدرسي، ذلك أن غياب تأطير الأسرة الموسعة ممثلة في الأجداد وتشكل العائلات المحدودة ساهم في تراجع التربية.
وبيّن بوشريكة أن تخصيص حيز هام من اليوم للعمل وتفاقم الأعباء المنزلية على الأمهات التونسيات العاملات، قلّص من قدرة العائلات على التواصل والحوار مع الأبناء التلاميذ، منبها من أن تشكّل المجتمع الفرداني عادة يفضي الى تدهور القيم الأخلاقية وهو ما يخلق بيئة من القطيعة بين الأسرة كمؤسسة تربوية والأبناء.
وخلص المختص في علم النفس الى ان التعاطي مع ظاهرة العنف في المحيط التربوي شابه القصور على مستوى جميع الأطراف المعنية، من ذلك الأسرة التونسية التي تراجع دورها التربوي وتلقي بمسؤولية رعاية التلاميذ على عاتق المدرسة العمومية لوحدها، ووزارة التربية التي تغفل عن دورها في توفير التأطير النفسي والاجتماعي للتلاميذ، ونقابات التعليم التي تكتفي بالاحتجاج والإضراب عوضا عن تقديم مقترحات عملية لحل الإشكالات القائمة.
وأشار الى أن موقف الجامعة العامة للتعليم الثانوي التي نفذت اليوم الثلاثاء اضرابا احتجاجيا على خلفية حادثة طعن الأستاذ الصحبي سلامة، لا يرقى الى ايجاد حلول لظاهرة العنف التربوي، معتبرا أنه كان من الأجدى بالطرف النقابي تقديم مقترحات تمكن من وضع حد لظاهرة العنف وعرضها على الوزارة، مع ارجاء الحق في الاحتجاج في حالة عدم التجاوب معها.