شهدت مواقع التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة زخما بالعديد من الوجوه الشابة من مختلف أقطار العالم باختلاف توجهاتها وجنسياتها والمحتوى الذي تقدّمه، وأصبحت جزء لا يتجزّأ من حياتنا اليومية تحت مسمّى ”صنّاع محتوى” أو ”انستغراموز” أو ”يوتيوبر”.
ولئن اختلفت التسميات إلاّ أنّ هذه الظاهرة تدعونا إلى التأمّل والتساؤل حول المحتوى الذي تغلغل في المجتمع وتمكّن من استقطاب ملايين المتابعين، محتوى يتأرجح بين الجدّ والمعرفة تارة وبين الفراغ والسطحية طورا.
استثناءات ترفع لها القبّعة
أصبح العالم الافتراضي مستحوذا على روتين الشباب والمراهقين بشكل مبالغ فيه بشقيه الإيجابي والسلبي، ورغم الانتقادات والهجوم على مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي، هناك عدد ولو ضئيل منهم استغّل موقعه وتأثيره على عدد من الفئات العمرية لخدمة المصلحة العامة.
على سبيل الذكر لا الحصر، أطلق مشاهير الجزائر في شهر جويلية المنقضي حملة ضخمة على مواقع التواصل الاجتماعي لتوفير أجهزة تنفسّ اصطناعي لمرضى فيروس كورونا وتمكّنوا في وقت وجيز من جمع قرابة 200 ألف أورو.
بعض المشاهير يخصّصون جزء من الوقت على حساباتهم على المنصات المختلفة للترويج للأعمال الخيرية والحملات التوعوية والتحسيسية، مسخّرين قاعدتهم الجماهرية الكبيرة في تقديم محتوى جادّ ومعرفي.
حياة زائفة تصدّر الأوهام
لا تقتصر الآثار السلبية لمنصات مواقع التواصل الاجتماعي على المتابعين فقط، بل تطال المشاهير الذين يعيشون حياة زائفة تزول بزوال هذه المواقع، حياة مبنيّة على عدد المتابعين وأرقام الاعجابات ونسب المشاهدة.
يعيش صنّاع المحتوى ضغوطات يومية للظهور في أبهى حلّة أمام المتابعين، فهم مطالبون ببثّ الطاقة الإيجابية بغضّ النظر عن حياتهم الخاصة ومشاكلهم، مطالبون بالبهرج والزينة
في كلّ الأوقات لتقديم المنتوجات وتصوير الإعلانات على مدار ساعات مهملين نسق الحياة الطبيعية لشباب في مقتبل العمر.
ساهم ظهور مشاهير المواقع التواصل الاجتماعي رويدا رويدا في تسطيح فكر المراهقين وخلق هوّة بينهم وبين الثقافة والفكر العميق والتربية السليمة، لتقتصر اهتماماتهم على مواضيع تافهة وممارسات رديئة، ظهور حولّ أشخاص عاديين إلى مؤثّرين قيمتهم تزول بمجرّد تعطّل تطبيق على المحمول.
يلعب عامل ”التقليد” الجسر المشترك بين صنّاع المحتوى ومتابعيهم، فالفئة الأولى تستنسخ أفكار الفيديوهات التي تنشرها والأفكار التي تتبنّاها من المشاهير الغرب، تقليد أعمى دون تجديد ودون مجهود يذكر، أمّا المتابعين فأصبحوا مدمنين لما يشاهدونه محاولين التشبّه بمشاهيرهم المفضّلين ممّا يؤثّر سلبا على صحتهم النفسية برفع سقف توقعاتهم سواء من خلال الوصول الى وزن مثالي أو الحصول على هدايا ثمينة أو السفر إلى دول العالم أو العيش في رفاهية، احتيال وأوهام يصدّرها لهم هؤلاء.
تونس وتكريم الحمقى ..
تونس تعتبر اليوم من أكثر الدول العربية التي يتهافت شبابها على إنشاء حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي لجعلها مورد رزق ومتنفّس يقدمون من خلاله مواهبهم أو ما يخالجهم من أفكار أو لأغراض دعائية وسياسية حيث سبق وأن استضاف رئيس الحكومة السابق إلياس الفخفاخ عددا من صنّاع المحتوى، وبالتمعّن في الأسماء التي التقاها لا أحد منها يرتقي الى تمثيل فئة الشباب أو الحديث عن مطالبهم المشروعة أو انتظاراتهم من الحكومة، بل على العكس لاقى هذا اللقاء انتقادات لاذعة من مختلف الشرائح العمرية والفكرية في تونس.
نفس الجدل أثارته إحدى ‘الانستغراموزات’ بتكريمها من قبل القائمين على معرض تونس للكتاب والآداب رغم تفاهة المضمون الذي تقدّمه على حسابها الافتراضي واستخدامها أغلب الأوقات لألفاظ نابية وعبارات غير مقبولة في مجتمعنا، في المقابل يتمّ تجاهل المبدعين والمفكّرين والمجتهدين ولا يتمّ دعوتهم في مثل هذه الفعاليات.
مرض الشهرة والانتشار أصبح اليوم خطرا يحدق بالمجتمع ويخلق من الحمقى مؤثّرين يقتاد بهم المراهقين، لذا على كلّ فرد من موقعه أن يقف سدّا منيعا للحدّ من انتشاره، بداية من المحيط العائلي الذي يلعب دورا كبيرا في صقل هويّة الطفل وتوجيهه منذ الصغر وصولا الى الدور المجتمعي للدولة التي عليها فورا تحديد ضوابط وشروط لكلّ صنّاع المحتوى مع الرقابة المستمرّة مثلما أعلنت الحكومة المصرية مؤخّرا عن فرض ضريبة مالية على كلّ من يمارس نشاط الكتروني أو صنّاع المحتوى.
أميرة الشارني