أكدت جمعية القضاة التونسيين في بيانها الصادر، اليوم الخميس 26 أوت 2021، ان الحركة القضائية الأخيرة تضمنت عديد الخروقات الجوهرية على عدة مستويات.
وقالت الجمعية في بيان إنه “لم تتم مراجعة الخطط القضائية التي تبين بصفة موضوعية أن المكلفين بها قد قصروا في المسؤوليات المنوطة بعهدتهم بما انعكس سلبا على حسن سير القضاء ونجاعته ودوره في إنفاذ القانون على الكافة دون استثناء وفي الآجال المعقولة وفي نطاق الشفافية وذلك خاصة في علاقة بجهاز النيابة العمومية التي غاب أي جهد لتعزيزها بالقضاة الأكثر كفاءة وحيادا ونزاهة وشجاعة للارتقاء بأدائها إلى ما هو مستوجب في مكافحة الجريمة وتتبع مرتكبيها مهما كانت صفاتهم ومواقعهم وتحقيق القطع مع الإفلات من العقاب.
وأشارت الجمعية إلى إغفال تقييم الخطط القضائية المفصلية والحساسة في القضاء وإدارة العدالة بتفعيل معايير النزاهة والحياد والكفاءة بما أدى إلى الإبقاء على من تعلقت بهم شبهات موثقة على رأس المسؤوليات الكبرى مثل الوكيل العام بمحكمة الاستئناف بنابل عضو مجلس القضاء العدلي الذي تعلقت به عديد الشكايات الجدية في علاقة بتدخله في عديد القضايا ومحاولة توظيف القضاء بمرجع نظره الترابي لتحصين عديد رجال الأعمال وعدم إنفاذ القانون عليهم بما أضر بسمعة القضاء والثقة العامة فيه.
كما أشارت إلى تعمد عضو مجلس القضاء العدلي المذكور إلى التحكم بصفته تلك في الحركة القضائية الخاصة بمرجع النظر الترابي لمحكمة الاستئناف بنابل من خلال استبعاد قضاة معينين واستبدالهم بقضاة آخرين في عملية عقابية غابت عنها المعايير الموضوعية ومن ذلك استبعاد القضاة أعضاء دائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف بنابل التي قررت نقض قرار ختم التحقيق في قضية أحد النواب بمجلس نواب الشعب الذي لاحقته تهمة تحرش بتلميذة فوجهت له تهمة الاعتداء على الأخلاق الحميدة والمجاهرة بما ينافي الحياء بعد طول إجراءات لافت وغير عادي وهي التهمة التي تولت دائرة الاتهام بعد النقض إعادة تكييفها باعتبارها تحرشا جنسيا.
وأكدت الجمعية تجاهل ما يقتضيه الاستحقاق الوطني لمكافحة الفساد من إصلاحات ومراجعات ضرورية ومتأكدة صلب القطب الاقتصادي والمالي وقطب مكافحة الإرهاب وإبقاء القطبين خارج أعمال الحركة رغم الإعلان على بعض الشغورات بهما ضمن شغورات الإعداد للحركة بتاريخ 27 ماي 2021 ورغم ما تبين من ضعف أداء القطب الاقتصادي والمالي في تحقيق نتائج جدية في مكافحة الفساد بالناجعة المطلوبة نوعيا وزمنيا ورغم ما تتيحه الحركة من فرصة حقيقية للتناظر بين القضاة لاختيار أفضلهم من حيث الاستقلالية والشجاعة والحيادية والنزاهة والكفاءة المهنية العالية في إطار عملية إصلاح شاملة لهذه الأقطاب حتى يتسنى الارتقاء بأدائهما ونجاعتهما لما هو مطلوب.
وأشارت إلى التوجه نحو تغليب المعايير الذاتية من محاباة وعلاقات شخصية مع بعض أعضاء مجلس القضاء العدلي عند إسناد عديد الخطط القضائية على حساب المعايير الموضوعية المتعلقة بالنزاهة والحيادية والاستقلالية واعتماد ذلك في الرتب القضائية الثلاث وخاصة بالرتبة الثالثة.
وأكدت الجمعية عدم الإعلان عن الشغورات المستحدثة أثناء إعداد الحركة القضائية في إبانها لتمكين القضاة من الاطلاع عليها والتناظر حولها طبق مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بما جعل تلك الخطط حكرا على قضاة معينين على حساب باقي القضاة بما آل إلى قفز عدد من القضاة في سلم الخطط القضائية على زملائهم ممن يتجاوزونهم بسنين في الأقدمية.
وأقرت الجمعية في ذطات البيان بمواصلة تفكيك الدوائر المتخصصة في العدالة الانتقالية للمرة الخامسة دون تحسب للنتائج الخطيرة لذلك بإفراغها من أعضائها الذين تلقوا تكوينا في الغرض سواء بصفة كلية أو جزئية كما هو الشأن بالنسبة إلى كل من المحكمة الابتدائية بتونس التي تضم العدد الأكبر من ملفات العدالة الانتقالية والمحكمة الابتدائية بالقصرين بما سيؤول إلى تعطل المحاكمات رغم ما يحمل على مجلس القضاء العدلي والمجلس الأعلى للقضاء من واجب دعم هذا القضاء المتخصص وإيجاد السبل الكفيلة بضمان استقرار قضاته مع تمكينهم من حقهم في الترقيات المهنية المستحقة وعدم التفريط فيما بُذل من مجهود وصُرف من مال عام لتكوينهم ونظرا لتعهد تلك الدوائر إلى جانب ملفات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بأكبر ملفات الفساد في صلة بالأموال المنهوبة والقروض المسداة بدون ضمانات وإسقاط ديون الدولة غير القابلة للإسقاط قانونا والصفقات المشبوهة وبالنظر إلى ما ستمثله أحكام هذه الدوائر من فرصة لاسترجاع الأموال المنهوبة وإنعاش المالية العمومية المختنقة.
هذا وابرزت الجمعية الإخلالات في تسديد الشغورات وذلك من خلال، عدم الالتزام بتسديد الشغورات المعلنة في الرتب الثلاث عبر المحاكم خاصة بالمحاكم الداخلية والمحكمة العقارية في إعادة لنفس الإخلال الوارد بالحركات القضائية السابقة بما عمق انعدام التوازن في توزيع القضاة بين محاكم الجمهورية.
وأقرت الجمعية بالتمادي في عدم تسديد الشغورات المتأكدة بعديد الدوائر الجنائية رغم تعهد المجلس بذلك ضمن المذكرة التي صاغها تحت عنوان أهداف الحركة القضائية 2021-2022 بتاريخ 27 ماي 2021والتي التزم فيها بتسمية مستشارين بالدوائر الجنائية سواء كانت ابتدائية أو استئنافية إذ تم الاعلان ضمن قائمة الشغورات على 57 شغورا على مستوى مستشاري الدوائر الجنائية بالمحاكم الابتدائية لم يقع تسديد إلا 18 شغورا منها كما تم الاعلان عن 33 شغورا في مستوى مستشاري الدوائر الجنائية بمحاكم الاستئناف لم يقع تسديد إلا 08 شغورات منها فقط بما سيؤدي إلى مفاقمة أوضاع التردي بالدوائر الجنائية الابتدائية والاستئنافية بعدد كبير من المحاكم وسيؤثر على ظروف عمل القضاة وعلى آجال البت في القضايا ويعيق تطبيق مبادئ المحاكمة العادلة.
وأكدت ترقية عديد قضاة الرتبة الثانية والثالثة ممن يشغلون خطة مستشار دائرة جنائية دون تعويضهم بما فاقم الفراغ الذي تعاني منه الدوائر الجنائية أصلا بموجب الحركات القضائية السابقة وبما سيؤول حتما إلى المساس بالضمانات القانونية المكفولة فيها.
كما تم استبعاد عديد القضاة من الرتبة الأولى من الخطط القضائية وإسنادها لغيرهم ممن يقلون عنهم أقدمية خارج أي معايير موضوعية للمفاضلة بينهم.
وأشارت الجمعية أيضا إلى الإخلالات في قرارات النقل وذلك من خلال:
– مواصلة تطبيق نقلة القضاة لمصلحة العمل ليشمل 32 قاضيا دون إصدار أي قرار معلل في ذلك مثلما يقتضيه قانون المجلس ودون نشر أي جداول في الغرض لمراقبة مدى شفافية تلك العملية ومدى تطبيقها في كنف مبدأ المساواة التامة بين القضاة.
– ثبوت حالات نقلة لمصلحة العمل لمن كان مشمولا بها في السنوات القليلة الماضية دون أي تبرير أو تعليل مقنع مثلما يوجبه الدستور والقانون مع ثبوت عدم تطبيق ذلك على كافة القضاة الذين مروا بنفس الوضعية وتمتع قضاة بامتياز عدم الخضوع لهذه الآلية مطلقا طيلة مسيرتهم القضائية بما عمق الشعور بالظلم لدى القضاة وزاد من حالات الحيف وعدم المساواة في غياب أدوات الرقابة وجداول الشفافية .
– عدم الاستجابة لمطالب النقل المبررة والمدعمة لعديد القضاة ممن سبق نقلتهم دون طلب خارج مراكز عملهم السابقة وبعيدا عن مقرات سكناهم لمصلحة العمل والاستجابة لقضاة آخرين قضوا مدة أقل من زملائهم دون معايير موضوعية وفي غياب تام لقواعد الشفافية.
– عدم تطبيق نفس مدة العمل للقضاة المعينين بالمحاكم الداخلية على كافة القضاة على قدم المساواة والإبقاء على عديد القضاة الذين قضوا مدة أطول بالمراكز التي عينوا بها دون الاستجابة لمطالب نقلتهم في مقابل إرجاع قضاة آخرين لمحاكم تونس العاصمة ومحاكم الساحل رغم قضائهم لمدة أقل منذ تعيينهم في عملية تمييز غير مبررة بين القضاة والأفواج القضائية بما عمق حالات الحيف التي يشعر بها القضاة وبما يعزز الانطباع باعتماد المجلس لسياسة الترهيب والترغيب بين القضاة.
– شمول الحركة القضائية لقضاة وردت أسماؤهم بالحركة القضائية السابقة واسنادهم خططا قضائية على حساب زملائهم ممن يفوقونهم أقدمية وكفاءة دون أي مبرر ودون أي تعليل.
– بروز أسماء قضاة بعينهم ممن تواتر ورود أسمائهم بشكل ملفت ضمن هذه الحركة والحركات القضائية السابقة لتشملهم حركة النقل والترقيات منذ 2016 لأربعة أو خمسة مرات بالاستجابة لجميع طلباتهم سواء من خلال الحركة القضائية الأصلية أو الاعتراضية في عملية تمييز واضحة بناء على علاقتهم برئيسة مجلس القضاء العدلي أو بعض أعضائه.
وأكد المكتب التنفيذي أنّ الحركة القضائية 2021-2022 لا تستجيب لمتطلبات الإصلاح القضائي ومختلف الاستحقاقات الوطنية مطالبة مجلس القضاء العدلي بـ :
– نشر جداول أقدمية القضاة وتنقيطهم بناء على نظام التقييم المعلن عنه وكيفية تطبيق المعايير المقررة من المجلس كنشر جداول مدققة بخصوص حركة النقل لمصلحة العمل لتسديد الشغورات بالمحاكم والمعايير المعتمدة في ذلك.
– انجاز حركة اعتراضية استثنائية في أقرب الآجال استجابة لاستحقاقات المرحلة يتم من خلالها العمل على إنقاذ القضاء واستعادة الثقة العامة فيه وتكون محطة تقييم ذاتية حقيقية من داخل المجلس يقع فيها تلافي جميع الإخلالات والنقائص التي شابت الحركة القضائية الأصلية وتُولى من خلالها الأقطاب القضائية المتخصصة الأهمية البالغة بالعمل على إدخال إصلاح شامل لها ودعمها بالأعداد اللازمة من القضاة الذين تتوفر فيهم أقصى درجات الأفضلية الموضوعية من حيث الاستقلالية والشجاعة والحيادية والنزاهة والكفاءة المهنية العالية حتى يتسنى الارتقاء بأدائها ونجاعتها .
– تفعيل مبادئ الشفافية والديمقراطية التشاركية الحقيقية بانفتاح المجلس ، بعد ثبوت عجزه وتخلفه عن قيادة مسيرة إصلاح القضاء بمفرده ، على محيطه القضائي والوطني وتفاعله بشكل جدي ومسؤول مع ما يقدم إليه من ملاحظات ومقترحات وما يبلغ إليه من مخرجات مجهودات الرقابة على أعماله خاصة من المنظمات والهياكل القضائية المشهود بعملها الدؤوب ودفاعها القوي وفي كل المحطات على استقلال القضاء وعلى حق كل التونسيين والتونسيات في قضاء محايد فاعل وناجز وبعث الأمل في امكانية تجاوز كل السلبيات والعثرات السابقة وانجاح تجربة التسيير الذاتي وتحقيق انطلاقة حقيقية لمسيرة الإصلاح القضائي.
كما يدعو المكتب التنفيذي للجمعية إثر تقييمها الأولي عموم القضاة ممّن لم تتم الاستجابة لمطالبهم سواء بالترقية أو بالنقلة أو بإسناد خطّة أو بالتّجريد منها إلى الاعتراض على القرارات الماسة بمساراتهم المهنية وإلى إحالة نسخ من مطالبهم لجمعيّة القضاة التونسيّين لمتابعتها.
كما أكد المكتب تمسكه بالمجلس الأعلى للقضاء وباستقلاليته كمنجز ديمقراطي في مسار تركيز دولة المؤسسات وقوامها المؤسسة القضائية المستقلة رغم تشديده على ضرورة إصلاح أداء المجلس مما اعتراه من ضعف ووهن.
وأشار المكتب إلى أنه بصدد مواصل العمل على جمع المعطيات الخاصة بالحركة عبر المحاكم وأنه بعد إصدار هذا البيان حول التوجهات العامة للحركة وما شابها من إخلالات سيعقد ندوة صحفية يقدم فيها مزيدا من المعطيات التحليلية المرتبطة بالحركة في موعد سيحدد تاريخه لاحقا.