في إطار التعاون الثقافي بين تونس والصين، تخوض دار نشر المستقبل الرقمي منذ أكثر من ست سنوات تجربة فريدة من نوعها، تقوم على ترجمة المؤلفات الصينية العلمية والتعليمية إلى اللغة العربية. هذه المبادرة لم تعد مجرد نشاط نشر، بل تحوّلت إلى جسر حقيقي للتواصل الثقافي والعلمي بين ضفتي طريق الحرير .
فالصين التي لفتت أنظار العالم بإنجازاتها الاقتصادية والتكنولوجية، تسعى اليوم إلى مشاركة أسرار نجاحها في الاقتصاد والتعليم وتطوير نمط الحياة. غير أن اللغة الصينية ظلّت العائق الأكبر أمام وصول هذه التجربة إلى الشعوب الأخرى. ومن هنا انطلقت مبادرة دار المستقبل الرقمي لتقريب المعارف الصينية من القارئ العربي، عبر التعاون مع مترجمين وأساتذة مختصين في اللغة الصينية من تونس والعالم العربي.
بداية بخطوات صغيرة… وصولًا إلى الذكاء الاصطناعي
تقول السيدة هدى زروق، المشرفة على دار المستقبل الرقمي:
“بدأنا بخطوات بطيئة، حيث ركزنا في البداية على كتب موجهة للأطفال وطرق تكوين الناشئة، ثم انتقلنا تدريجيًا إلى مجالات أكثر عمقًا مثل الذكاء الاصطناعي، الطب الصيني، العلوم، والاقتصاد. في كل مرة نختار ثلاثة أو أربعة عناوين لترجمتها وننشرها في الدول العربية.”
وتضيف:
“حتى اليوم، ترجمنا أكثر من 500 عنوان، وهو إنجاز تحقق بفضل فريق من المترجمين الشباب من خريجي الجامعات التونسية والعربية، المتقنين للغة الصينية.”
هذا ولم تتوقف جهود دار النشر عند حدود الطباعة، بل سعت إلى نشر المعرفة على أوسع نطاق. وتشير زروق:
“في تونس وزعنا هذه الكتب بشكل مجاني في الجامعات والمكتبات العمومية بالتعاون مع وزارة الثقافة، كما وضعناها في المكتبات التجارية لتكون في متناول القراء.”
هذه الاستراتيجية جعلت الثقافة الصينية أقرب إلى القارئ العربي، وفتحت آفاقًا جديدة للاطلاع على تجارب الصين في مجالات الطب، العلوم، التقنية والاقتصاد.
اتفاقيات جديدة بعد معرض الكتاب
عززت هذه المبادرة بشكل لافت بعد مشاركة الصين كضيف شرف في معرض تونس الدولي للكتاب. وقد مثّل ذلك فرصة لتوقيع اتفاقيات جديدة مع الناشرين الصينيين لترجمة مؤلفات في مجالات متقدمة مثل الذكاء الاصطناعي، التربية، العمارة، والطب الصيني.
وترى زروق أن هذه الخطوة تعكس إرادة متبادلة:
“الصين تسعى إلى تسويق ثقافتها بالتوازي مع تعاونها الاقتصادي والاجتماعي، ونحن من جانبنا نطمح إلى إثراء المكتبة العربية بعناوين نوعية تُعرّف القارئ بتجربة حضارية ثرية.”
الثقافة جسر بين الشعوب
المشروع لا يقتصر على الترجمة فحسب، بل يهدف إلى إعادة اكتشاف الثقافة الصينية التي ارتبطت تاريخيًا بالقارة الإفريقية عبر طريق الحرير. وتختم زروق بالقول:
“من المهم اليوم أن ننفتح على جميع الثقافات والحضارات للاستفادة من تجاربها، والثقافة الصينية بما تحمله من علم وحكمة وتاريخ طويل، تمثل مصدر إلهام حقيقي للمنطقة العربية.”
نحو مستقبل منفتح
بين الحاضر والماضي، وبين طريق الحرير القديم والمبادرات الثقافية الجديدة، ترسم تجربة دار المستقبل الرقمي مثالًا حيًا على أن الترجمة ليست مجرد نقل كلمات، بل بناء جسور لفهم الآخر وتقريب التجارب الإنسانية. إنها مغامرة ثقافية تثبت أن تونس قادرة على لعب دور ريادي في مدّ جسور التواصل بين العالم العربي والصين.












Discussion about this post